كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



وقولها: (وكان يقول في كل ركعتين التحية) أطلقت لفظ التحية على التشهد كله من باب إطلاق اسم الجزء على الكل وهذا الموضع مما فارق فيه الاسم المسمى فإن التحية الملك أو البقاء أو غيرهما على ما سيأتي وذلك لا يتصور قوله وإنما يقال اسمه الدال عليه وهذا بخلاف قولنا: أكلت الخبز وشربت الماء فإن هناك أريد به المسمى وأما لفظة الاسم: فقد قيل فيها: إن الاسم هو المسمى وفيه نظر دقيق.
وقولها: (وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى) يستدل به أصحاب أبي حنيفة على اختيار هذه الهيئة للجلوس للرجل.
ومالك اختار التورك وهو أن يفضي بوركه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى.
والشافعي فرق بين التشهد الأول والتشهد الأخير ففي الأول اختار الافتراش على التورك وفي الثاني اختار التورك وقد ورد أيضا هيئة التورك فجمع الشافعي بين الحديثين فحمل الافتراش على الأول وحمل التورك على الثاني وقد ورد ذلك مفصلا في بعض الأحاديث ورجح من جهة المعنى بأمرين ليسا بالقويين.
أحدهما: أن المخالفة في الهيئة قد تكون سببا للتذكر عند الشك في كونه في التشهد الأول أو في التشهد الأخير.
والثاني: والثاني أن الافتراش هيئة استيفاز فناسب أن تكون في التشهد الأول لأن المصلي مستوفز للقيام والتورك هيئة اطمئنان فناسب الأخير والاعتماد على النقل أولى.
وقولها وكان ينهى عن عقبة الشيطان ويروى عن عقب الشيطان ز وفسر بأن يفرش قدميه ويجلس بإليته على عقبيه وقد سمي ذلك أيضا الإقعاء.
وقولها وينهى أن يفترش إلى قولها السبع وهو أن يضع ذراعيه على الأرض في السجود والسنة: أن يرفعهما ويكون الموضوع على الأرض كفيه فقط.
وقولها وكان يتم الصلاة بالتسليم أكثر الفقهاء على تعيين التسليم للخروج من الصلاة للفعل المواظب عليه ولا يدل الحديث على أكثر من مسمى السلام وقد يؤخذ من هذا أن التسليم من الصلاة لقولها: وكان يختم الصلاة بالتسليم وليس بالتشديد الظهور في ذلك وأبو حنيفة يخالف فيه.
3- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد» وكان لا يفعل ذلك في السجود.
اختلف الفقهاء في رفع اليدين في الصلاة على مذاهب متعددة.
فالشافعي قال بالرفع في هذه الأماكن الثلاثة أعني في افتتاح الصلاة والركوع والرفع من الركوع وحجته هذا الحديث وهو من أقوى الأحاديث سندا.
وأبو حنيفة لا يرى الرفع في غير الافتتاح.
وهو المشهور عند أصحاب مالك والمعمول به عند المتأخرين منهم واقتصر الشافعي على الرفع في هذه الأماكن الثلاثة لهذا الحديث وقد ثبت الرفع عند القيام من الركعتين وقياس نظره: أن يسن الرفع في ذلك المكان أيضا لأنه لما قال بإثبات الرفع في الركوع والرفع منه لكونه زائدا على من روى الرفع عند التكبير فقط وجب أيضا أن يثبت الرفع عند القيام من الركعتين فإنه زائد على من أثبت الرفع في هذه الأماكن الثلاث فقط والحجة واحدة في الموضعين.
وأول راض سيرة من يسيرها

والصواب والله أعلم استحباب الرفع عند القيام من الركعتين لثبوت الحديث فيه.
وأما كونه مذهبا للشافعي لأنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي أو ما هذا معناه ففي ذلك نظر ولما ظهر بعض لبعض الفضلاء المتأخرين من المالكية قوة الرفع في الأماكن الثلاثة على حديث ابن عمر: اعتذر عن تركه في بلاده فقال: وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه فيهما أي في الركوع والرفع منه ثبوتا لا مرد له صحة فلا وجه للعدول عنه إلا أن في بلادنا هذه يستحب للعالم تركه لأنه إن فعله نسب إلى البدعة وتأذى في عرضه وربما تعددت الأذية إلى بدنه فوقاية العرض والبدن بترك سنة واجب في الدين.
وقوله حذو منكبيه هو اختيار الشافعي في منتهى الرفع وأبو حنيفة اختار الرفع إلى حذو الأذنين وفيه حديث آخر يدل عليه ورجح مذهب الشافعي بقوة السند لحديث ابن عمر وبكثرة الرواة لهذا المعنى فروي عن الشافعي أنه قال: وروى هذا الخبر بضعة عشر نفسا من الصحابة وربما سلك طريق الجمع فحمل خبر ابن عمر على أن يرفع يديه حتى حاذى كفاه منكبيه والخبر الآخر على أنه رفع يديه حتى حاذت أطراف أصابعه أذنيه وقيل: إنه رويت رواية من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ويحاذي بإبهاميه أذنيه).
واختلف أصحاب الشافعي متى يبتدأ التكبير؟ فمنهم من قال: يبتدأ التكبير مع ابتداء رفع اليدين ويتم التكبير مع انتهاء إرسال اليدين ونسب هذا إلى رواية وائل بن حجر وقد نقل في رواية وائل بن حجر: استقبل النبي صلى الله عليه وسلم وكبر فرفع يديه حتى حاذى بهما أذنيه وهذه الرواية لا تدل على ما نسب إلى رواية وائل بن حجر وفي رواية لأبي داود فيها بعض مجهولين لفظها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير) وهذا أقرب في الدلالة وفي رواية أخرى لأبي داود فيها انقطاع أنه: (أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه وحاذى بإبهامه أذنيه ثم كبر) وفي رواية أخرى أجود من هاتين «وكان إذا كبر رفع يديه» وهذه محتملة لأنا إذا قلنا فلان فعل احتمل أن يراد شرع بالفعل ويحتمل أن يراد فرغ منه ويحتمل أن يراد جملة الفعل ومن أصحاب الشافعي من قال: يرفع اليدين غير مكبر ثم يكبر ثم يرسل اليدين بعد ذلك وهذا إلى رواية ابن عمر.
وهذه الرواية التي ذكرها المصنف ظاهرها عندي مخالف لما نسب إلى رواية ابن عمر فإنه جعل افتتاح الصلاة ظرفا لرفع اليدين فإما أن يحتمل الافتتاح على أول جزء من التكبير فينبغي أن يكون رفع اليدين معه وصاحب هذا القول يقول: يرفع اليدين غير مكبر وإما أن يحمل الافتتاح على التكبير كله فأيضا لا يقتضي أن يرفع اليدين غير مكبر.
وقوله:وقال: «سمع الله لمن حمده» ربنا لك الحمد يقتضي جمع الإمام بين الأمرين فإن الظاهر أن ابن عمر إنما حكى وروى عن حالة الإمامة فإنها الحالة الغالبة على النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها نادر جدا وإن حمل اللفظ على العموم دخل فيه المنفرد والإمام وقد فسر قوله سمع الله لمن حمده أي استجاب الله دعاء من حمده وقد تقدم الكلام في إثبات الواو وحذفها وقوله وكان لا يفعل ذلك في السجود يعني الرفع وكأنه يريد بذلك عند ابتداء السجود أو عند الرفع منه وحمله على الابتداء أقرب وأكثر الفقهاء على القول بهذا الحديث وأنه لا يسن رفع اليدين عند السجود وخالف بعضهم في ذلك وقال: يرفع لحديث ورد فيه وهذا مقتضى ما ذكرناه في القاعدة وهو القول بإثبات الزيادة وتقديمها على من نفاها أو سكت عنها والذين تركوا الرفع في السجود سلكوا مسلك الترجيح لرواية ابن عمر في ترك الرفع في السجود والترجيح إنما يكون عند التعارض ولا تعارض بين رواية من أثبت الزيادة وبين من نفاها أو سكت عنها إلا أن يكون النفي والإثبات منحصرين في جهة واحدة فإن ادعي ذلك في حديث ابن عمر والحديث الآخر وثبت اتحاد الوقتين: فذاك.
4- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين».
الكلام عليه من وجوه:
الأول: أنه سمى كل واحد من هذه الأعضاء عظما باعتبار الجملة وإن اشتمل كل واحد منها على عظام ويحتمل أن يكون ذلك من باب تسمية الجملة باسم بعضها.
الثاني: ظاهر الحديث يدل على وجوب السجود على هذه الأعضاء لأن الأمر للوجوب والواجب عند الشافعي منها الجبهة لم يتردد قوله فيه واختلف قوله في اليدين والركبتين والقدمين وهذا الحديث يدل للوجوب وقد رجح بعض أصحابه عدم الوجوب ولم أرهم عارضوا هذا بدليل قوي أقوى من دلالته فإنه استدل لعدم الوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث رفاعة ثم يسجد فيمكن جبهته وهذا غايته أن تكون دلالته دلالة مفهوم وهو مفهوم لقب أو غاية والمنطوق الدال على وجوب السجود على هذه الأعضاء مقدم عليه وليس هذا من باب تخصيص العموم بالمفهوم كما مر لنا في قوله صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» مع قوله «جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا» فإنه ثمة يعمل بذلك العموم من وجه إذا قدمنا دلالة المفهوم وهاهنا إذا قدمنا دلالة المفهوم: أسقطنا الدليل الدال على وجوب السجود على هذه الأعضاء أعني اليدين والركبتين والقدمين مع تناول اللفظ لها بخصوصها.
وأضعف من هذا: ما استدل به على عدم الوجوب من قوله صلى الله عليه وسلم: «سجد وجهي للذي خلقه» قالوا: فأضاف السجود إلى الوجه فإنه لا يلزم من إضافة السجود إلى الوجه انحصار السجود فيه.
وأضعف من هذا: الاستدلال على عدم الوجوب بأن مسمى السجود يحصل بوضع الجبهة فإن هذا الحديث يدل على إثبات زيادة على المسمى فلا تترك.
وأضعف من هذا: المعارضة بقياس شبهي ليس بقوي مثل أن يقال: أعضاء لا يجب كشفها فلا يجب وضعها كغيرها من الأعضاء سوى الجبهة.
وقد رجح المحاملي من أصحاب الشافعي القول بالوجوب وهو أحسن عندنا من وقل من رجح عدم الوجوب.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه سجد على الأنف وحده كفاه وهو قول مذهب مالك وأصحابه.
وذهب بعض العلماء إلى أن الواجب السجود على الجبهة والأنف معا وهو قول في مذهب مالك أيضا ويحتج لهذا المذهب بحديث ابن عباس هذا فإن في بعض طرقه «الجبهة والأنف معا» وفي هذه الطريق التي ذكرها المصنف «الجبهة» وأشار بيده إلى أنفه فقيل: معنى ذلك: انهما جعلا كالعضو الواحد ويكون الأنف كالتبع للجبهة واستدل على هذا بوجهين:
أحدهما: أنه لو كان كعضو منفرد عن الجبهة حكما لكانت الأعضاء المأمور بالسجود عليها ثمانية لا سبعة فلا يطابق العدد المذكور في أول الحديث.
الثاني: أنه قد اختلفت العبارة مع الإشارة إلى الأنف فإذا جعلا كعضو واحد أمكن أن تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر فتطابق الإشارة العبارة وربما استنتج من هذا: أنه إذا سجد على الأنف وحده أجزاه لأنهما إذا جعلا كعضو واحد كان السجود على الأنف كالسجود على بعض الجبهة فيجزئ.
والحق أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة والأنف لكونهما داخلين تحت الأمر وإن أمكن أن يعتقد أنهما كعضو واحد من حيث العدد المذكور لذلك في التسمية والعبارة لا في الحكم الذي دل عليه الأمر.
وأيضا فإن الإشارة قد لا تعين المشار إليه فإنها إنما تتعلق بالجبهة فإذا تقارب ما في الجهة أمكن أن لا يتعين المشار إليه يقينا وأما اللفظ: فإنه معين لما وضع له فتقديمه أولى.
الثالث: المراد باليدين- هاهنا- الكفان وقد اعتقد قوم أن مطلق لفظ اليدين يحمل عليهما كما في قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] واستنتجوا من ذلك: أن التيمم إلى الكوعين وعلى كل تقدير: فسواء صح هذا أم لا فالمراد ههنا: الكفان لأنا لو حملناه على بقية الذراع: لدخل المنهي عنه من افتراش الكلب أو السبع ثم تصرف الفقهاء بعد ذلك فقال بعض مصنفي الشافعية: إن المراد الراحة أو الأصابع ولا يشترط الجمع بينهما بل يكفي أحدهما ولو سجد على ظهر الكف لم يجزه هذا معنى ما قال.
الرابع: قد يستدل بهذا على أنه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء فإن مسمى السجود يحصل بالوضع فمن وضعها فقد أتى بما أمر به فوجب أن يخرج عن العدة وهذا يلتفت إلى بحث أصولي وهو أن الإجزاء في مثل هذا هل هو راجح إلى اللفظ أم أن الأصل عدم وجوب الزائد على الملفوظ به مضموما إلى فعل المأمور به؟.
وحاصله: أن فعل المأمور به: هل هو علة الإجزاء أو جزء علة الإجزاء؟ ولم يختلف في أن كشف الركبتين غير واجب وكذلك القدمان.
أما الأول: فلما يحذر فيه من كشف العورة.
وأما الثاني- وهو عدم كشف القدمين- فعليه دليل لطيف جدا لأن الشارع وقت المسح على الخف بمدة تقع فيها الصلاة مع الخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخفين وانتقضت الطهارة وبطلت الصلاة وهذا باطل ومن نازع في انتقاض الطهارة بنزع الخف فيدل عليه بحديث صفوان الذي فيه «أمرنا أن لا ننزع خفافنا»- إلى آخره.
فتقول: لو وجب كشف القدمين لناقضه إباحة عدم النزع في هذه المدة التي دل عليها لفظ أمرنا المحمولة على الإباحة وأما اليدان: فللشافعي تردد في وجوب كشفهما.